فصل: كتاب التخيير والتمليك الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة اصطلح الرجل وامرأته على الفراق فقال لها قد خيرتك فاختارت نفسها:

وقال مالك: إذا اصطلح الرجل وامرأته على الفراق، فقال لها: قد خيرتك فاختارت نفسها، فإن ذلك الخيار لا يكون ألبتة، وإنما هي طلقة واحدة بائنة؛ لأن الخيار في هذا ليس بخيار، وإنما هو صلح، فكل خيار لم تشتره المرأة، ولم يكن من الرجل إلا على وجه الصلح، فإن ذلك لا يكون إلا طلقة واحدة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وتكررت أيضا في رسم أوصى من هذا السماع فلا وجه لإعادة القول فيها.

.مسألة كان لامرأته عليه حق فنجمته عليه في أشهر مختلفة:

وسئل عن رجل كان لامرأته عليه حق، فنجمته عليه في أشهر مختلفة، على أن إن لم يوفها كل نجم عند حلوله، فأمرها بيدها، فيحل نجم تقضي، فتختار نفسها. قال: إن مسها بعد حلول الأجل، أو ضاجعها، أو تلذذ بها، أو كان معها في بيت واحد، فلا أرى لها في ذلك النجم خيار، إلا أن تمنعه نفسها وتدفعه عن نفسها بأمر يعرف عند الناس، فإن فعلت فلها الخيار متى ما اختارت ما كان، لا يمسها ولا يقربها، وإن كان معها في بيت واحد، وادعت أنها منعته نفسها حتى قضت، وادعى الزوج المسيس، فالزوج مصدق، إذا كان يأوي إليها، ولها من الخيار في النجم الآخر الذي يحل، وفي جميع النجوم التي وقتت له مثل ما كان لها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم، وقوله فيها: إن لها أن تقضي بعد حلول الأجل متى ما شاءت، ما كانت، لا يطأها زوجها ولا يقربها هو، مثل قول مالك في المدونة في الأمة تعتق تحت العبد، إن لها الخيار، ما لم يمسها زوجها. وقد مضى بيان هذا المعنى وما يتعلق به في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يخدم قبل أن يبني بأهله فتختار المرأة نفسها:

وسئل عن الرجل يخدم قبل أن يبني بأهله، فتختار المرأة نفسها قال: لا صداق لها، وكذلك النصرانية. تسلم قبل أن يبني بها، والأمة تعتق قبل البناء بها، فتختار نفسها، قال: فلا صداق لها.
قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال: لأن الله عز وجل قال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، فلما لم يكن واحد من هؤلاء مطلقا باختياره، لم يجب عليه نصف الصداق، ولا شيء منه. وقد مضى هذا المعنى مشروحا في رسم الصلاة من كتاب طلاق السنة، وفي سماع سحنون من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته لأنت أحرم علي من أمي:

ومن كتاب أسلم:
وسئل عن الذي يقول لامرأته: لأنت أحرم علي من أمي قال: أراها البتة.
قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا أراد بذلك الطلاق، وأما لو لم تكن له نية لكان ظهارا، فقد قال في المدونة: إنه إذا قال: حرام كأمي أو مثل أمي ولا نية له إنه ظهار. قال: وهذا مما لا اختلاف فيه، ولا فرق بين أن يقول: أنت حرام كأمي أو أنت أحرم من أمي في أنه ظهار، وإذا لم تكن له نية، وذلك بين من سماع ابن القاسم من كتاب الظهار، فإذا أراد بذلك الطلاق فهي البتة، على مذهب ابن القاسم، ولا ينوى في واحدة ولا في اثنتين، وقال سحنون: ينوى فيما أراد من الطلاق، ولو قال: أنت حرام، ولم يقل مثل أمي لكان طلاقا على مذهب ابن القاسم، وإن أراد به الظهار.
وحكى اللخمي أن لسحنون في العتبية أنه ينوى في أنه أراد بذلك الظهار، وليس ذلك بموجود له عندنا في العتبية فأراه غلطا والله أعلم. وحكي عن يحيى بن عمر أنه قال: يلزمه الطلاق، فإن تزوجها ولم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار قال: وهذا قول من لم يتبين له في المسألة حكم، والله أعلم.

.مسألة وطئ المرأة المملك طلاقها بعلم المملك ذلك فيها:

ومن كتاب جاع فباع امرأته:
وسأله رجل فقال: كانت تحتي امرأة فخطبت أخرى، فقالت: لا أتزوجك إلا أن تجعل أمر امرأتك التي تحتك بيدي، قال: ففعلت وتزوجتها على ذلك فأقامت شهرا وأنا مع امرأتي أياما أمسها فلما دخلت بها طلقتها بالبتة قال: أكان عليك شرط أن أمرها بيدها حين تدخل عليها، أو لم تذكر ذلك؟ قال: ليس علي إلا ما أخبرتك أن أمر امرأتي التي تحتي بيدك، فقال: لا شيء بيدها إذا مسستها ووطئتها بعد أن جعلت ذلك بيدها، فلم تقض شيئا حتى مسست ووطئت.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه إن وطئ المرأة المملك طلاقها بعلم المملك ذلك فيها يسقط ما له من طلاقها. وقد مضى هذا في رسم سلف وغيره، وبالله التوفيق.

.مسألة يجعل زوجها أمرها بيدها إلى أجل إن لم يأت:

وسأله ابن عبد الحكم فقال له: المرأة التي يجعل زوجها أمرها بيدها إلى أجل إن لم يأت، فتجاوز الأجل، ولم تقض شيئا، تنسى أو تجهل، قال: تحلف بالله ما تركت ما كان بيدها من ذلك، ويكون القول قولها.
قال محمد بن رشد: قوله: فتجاوز الأجل، يريد بمثل الشهر والشهرين على ما مضى في رسم حلف من سماع ابن القاسم، ولو أقامت أكثر من ذلك لعد ذلك منها رضى، ولم يكن لها خيار، حسبما مضى القول فيه هناك، وإيجاب ابن القاسم اليمين عليها هاهنا خلاف روايته عن مالك في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم، ومثل ما لمالك في كتاب ابن المواز، ولو أشهدت عند الأجل أنها تنتظره، وهي على حقها لكان ذلك بيدها، وإن طال دون يمين، على ما في رسم شهد من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقد مضى في رسم الشهيدين الشريكين من سماع ابن القاسم قبل هذا نحو هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة الأمة تعتق وهي حائض:

وسئل عن الأمة تعتق وهي حائض، هل لها أن تختار قبل أن تطهر؟ فقال: لا تختار حتى تطهر، وقال ابن القاسم في غير هذا الكتاب: وإنما يكره أن تختار وهي حائض، فإن فعلت جاز ذلك على الزوج.
قلت: فإن عتق زوجها قبل أن تطهر أترى ذلك يقطع خيارها؟ قال: لا أرى ذلك يقطع خيارها؛ لأنها قد وقع لها الخيار، وإنما منع من ذلك حيضتها.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا تختار حتى تطهر صحيح، إذ لا يجوز إيقاع الطلاق في الحيض بحال، إلا للمولى على اختلاف في ذلك من قول مالك، فإن فعلت، جاز على الزوج، ولم يجبر على الرجعة؛ لأنه طلاق بائن. قد روي عن مالك أن للعبد الرجعة إن أعتق، فعلى هذه الرواية إن اختارت نفسها في حال الحيض، فأعتق زوجها قبل أن تنقضي عدتها أجبر على رجعتها.
وقوله: إنه إن أعتق زوجها قبل أن تطهر لم يقطع ذلك خيارها، ليس بخلاف للمدونة من أنه إذا أعتق قبل أن تختار فلا خيار لها، بدليل قوله: لأنها قد وقع لها الخيار، وإنما منعها من ذلك حيضتها، يريد، فلم يكن منها تفريط، ولذلك كان لها الخيار، والتي لم تختر حتى عتق زوجها، وقد كان منها تفريط، فلذلك لم يكن لها خيار، وهذا ظاهر الروايات، ويأتي على ذلك أنها إذا أعتقت وأعتق هو بعدها، بفور ذلك قبل أن يكون منها تفريط في اختيارها نفسها، إن لها الخيار، وقد ذهب ابن زرب إلى أن رواية عيسى هذه خلاف لما في المدونة.
وهو القياس؛ لأن الخيار إنما وجب لها من أجل نقصان مرتبته عن مرتبتها فإذا ارتفعت العلة وجب أن يرتفع الحكم بارتفاعها والأول هو الظاهر من الروايات، والله أعلم.

.مسألة بارا امرأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده سنتين:

ومن كتاب الرهون:
وقال في رجل بارا امرأته على مال أعطته وعلى أن ترضع ولده سنتين، هل يجوز أن تتزوج حتى يفرغ من رضاعها؟ قال: أرى أن ينظر في ذلك، فإن كان لا يضر بالصبي، لم يحل بينهما وبين التزويج، وإن كان في ذلك ضرر، لم تترك، وهو عندي بمنزلة من يسترضع ولده من امرأة لا زوج لها، وأرادت التزويج فأرى أن ينظر في ذلك على وجه ما وصفت لك.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب، القول في هذه المسألة مستوفى فلا وجه لإعادته.

.مسألة جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة:

ومن كتاب إن أمكنتني:
وسئل عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت بحقها إلى سنة، فأراد أبو الجارية سفرا قبل الأجل، فجمع قوما وأشهدهم، وقال لهم: إن ختني جعل أمر ابنتي بيدي، إن لم يأت بحقها إلى سنة، وأشهدكم أني قد زدته خمس عشرة ليلة بعد السنة، ثم بدا له بعد ذلك فقال: لا أزيده شيئا فقال: ليس ذلك له، ولزوج ابنته الخمس عشرة ليلة التي جعل له لا يكون لأبيها فيها قضاء في طلاقه حتى تمضي الخمس عشرة ليلة بعد السنة، ثم يقضي إن أحب إن لم يأت بحقها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن ذلك قد وجب للزوج، فليس له أن يرجع فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة جعل أمر امرأته بأيدي رجلين:

ومن كتاب العتق:
قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن رجل جعل أمر امرأته بأيدي رجلين، فقال: أمر امرأتي بأيديكما، فطلقا جميعا واحدة، فقال: يجوز، إذا طلقا جميعا واحدة، فإن طلق كل واحد منهما لم يجز، حتى يجتمعا جميعا على واحدة، أو عليهما جميعا، وإن قال أمر امرأتي جميعا بأيديكما إن شئتما فهو مثله أيضا، وإن قال: طلقا امرأتي، فأيهما طلق جاز طلاقه، وإن طلق كل واحد منهما طلقة جاز، وإن طلقاهما جميعا كلتيهما جاز، وإن طلق واحدة منهما طلقة واحدة جاز، وإن طلقهما جميعا واحد جاز، وذلك من قبل أنهما رسولان، فأيهما بلغ الطلاق جاز، وإن طلق البتة، وقال الزوج: لم أرد إلا واحدة، كان القول قول الزوج، وإن قال: طلقا امرأتي جميعا إن شئتما، فطلقا جميعا واحدة، أو طلقاهما جميعا واحدة، أو طلق كل واحد منهما واحدة، لم تجز حتى يجتمعا عليهما جميعا؛ لأنه إنما قال: طلاق امرأتي جميعا إن شئتما بأيديكما، فإن شاءا جميعا، وإلا فلا أمر لهما فيها.
قال محمد بن رشد: أما إذا قال: أمر امرأتي بأيديكما فلا اختلاف في أن ذلك تمليك، وأن الطلاق لا يقع إلا باجتماعهما عليهما جميعا، أو على أحديهما. وأما إذا قال: أعلما امرأتي بطلاقها، فلا اختلاف في أن ذلك رسالة، وأن الطلاق واقع عليه، أعلماها أو لم يعلماها، وأما إذا قال: طلقا امرأتي فهذا لفظ يحتمل الرسالة والتمليك.
واختلف على ما يحمل من ذلك، فقيل: إنه محمول على الرسالة حتى يريد التمليك، وهو قول ابن القاسم هنا، وفي المدونة، إلا أنه حمل الرسالة على الإجماع فرأى الطلاق واقعا عليه بنفس الرسالة، بلغاها الطلاق أو لم يبلغاها بمنزلة قوله لهما: أعلما امرأتي بطلاقها وحمل الرسالة هنا على غير الإجماع، فرأى أن الطلاق لا يقع عليه إلا بتبليغ من بلغها الطلاق منهما، كما لو وكل كل واحد منهما على أن يطلق عليه، فإن طلق عليه جاز، وما لم يطلق لم يلزمه شيء، وله أن يمنعه من أن يطلق عليه إن شاء بخلاف المملك الطلاق، وقيل؛ إنه محمول على التمليك حتى يريد الرسالة، وهو قول أصبغ، وإياه اختار ابن حبيب.
وأما إذا قال: طلقا امرأتي إن شئتما فهذا تمليك، إلا أنه يقتضي أنه ليس لهما أن يجتمعا على طلاق الواحدة، بخلاف قوله: أمر امرأتي بأيديكما؛ لأن قوله: أمر امرأتي بأيديكما، معناه أمر امرأتي بأيديكما، تطلقان من شئتما منهما أو جميعا إن شئتما، ولا يحتمل أن يكون معنى قوله طلقا امرأتي هذا لجمعه إياهما في الطلاق. وهذا بين لا اختلاف فيه. والله أعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الكريم.

.كتاب التخيير والتمليك الثاني:

.سأل ختنه أن يخلي سبيله، فقال له الزوج لا تكثر علي الأمر في يديك:

من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته البكر، رجلا فتكرهه الابنة والأهل، فيسأله أبو الجارية أن يفارقها، فيكره ذلك، ويمسك عنه زمانا، يرجو الاستصلاح للجارية، وإلى أهل الرجل، فتمادوا في الكراهة له أعواما، وإن الرجل لقي ختنه يوما، فأقبل عليه وسأله أن يخلي سبيله، فقال له الزوج: لا تكثر علي، الأمر في يديك، فاصنع ما شئت، فقال أبو الجارية لمن حوله: قد أحسن وأجل، جزاه الله خيرا أما إذا جعلت الأمر بأيديهما فما لنا عليك من سبيل، فقال له رجل ممن حضره: قد أمكنك الرجل، وجعل الأمر بيدك، فقال أبو الجارية عند ذلك: أشهدكم أني قد اخترت ابنتي، وفرقت بينهما، فأطرق الزوج قليلا، ثم قال: إني لم أرد ذلك، فماذا ترى أن يلزم الزوج بهذا القول؟ فقال: أرى القول قول أبي الجارية فيما طلق به من واحدة أو أكثر، وهو عندي بمنزلة الذي يملك امرأته أمرها، فإن كان الزوج ناكر الأب إن زاد على طلقة، أحلف وكانت طلقة بائنة؛ لأنه لم يبن بها. قيل له: وكيف ينوى وهو يزعم أنه لم يرد طلاقا؟ فكيف يجوز له أن يدعي أنه نوى واحدة، وقد أنكر ألبتة أن يكون أراد بقوله شيئا من الطلاق؟ وما ترى قوله: لم أرد هذا إنكارا على الأب إذا جاوز طلقة؟ قال: ذلك له، وإن كان أنكر أن يكون أراد طلاقا. ويحلف وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب، فأطرق الرجل طويلا، يريد أطرق مفكرا فيما قضى به الأب من الفراق، وناظرا لنفسه فيما بين أن يسلمه أو ينكره، فسواء كان ذلك قليلا أو كثيرا ما لم يطل الأمر حتى ينقضي المجلس، فيتبين منه التسليم بفعل الأب، فلا يكون له بعد ذلك أن ينكر ما مضى في أول رسم إن خرجت من سماع عيسى، وإنما قال: إن القول قول الأب فيما طلق به من واحدة أو أكثر، لاحتمال قوله قد اخترت ابنتي، وفرقت بينهما، أن يريد بذلك الثلاث، وأن يريد به الواحدة؛ لأن قول المملك الطلاق، يحمل على ما يحمل عليه قول الزوج ابتداء، ولو قال الرجل لامرأته: قد فارقتك قبل الدخول، لنوي فيما أراد بذلك من واحدة أو أكثر، فكذلك يسأل الأب هاهنا ما أراد بقوله، قد فرقت بينهما، وقد مضى القول في أن الزوج يقبل منه نيته في أنه أراد واحدة، ويمكن من الحلف على ذلك بعد أن أنكر أن يكون أراد بذلك الطلاق، وفيما يكون الحكم إن أقام على قوله: إنه لم يرد بذلك الطلاق في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة صالح امرأته في مرضها على إن أعطته لفراقه إياها دارا وعرضا من العروض:

ومن كتاب الصبرة:
وسئل عن رجل صالح امرأته في مرضها على إن أعطته لفراقه إياها دارا وعرضا من العروض، وتعجل قبض ذلك، قال مالك: إن كان للذي أعطته قدر ميراثه منها فأدنى جاز له ذلك.
قلت له: أرأيت إن كان يوم أخذه قدر ميراثه، ويوم ماتت قيمة ما أخذ أكثر من ميراثه منها أتراه جائزا؟ وكيف إن كان يوم أخذه أكثر من ميراثه، ويوم ماتت قدر الميراث، وأدنى، متى ينظر إلى قيمة ما أعطته؟ فقال: حين يقع الصلح بينهما.
قلت: أرأيت إن هلك ماله أو بعضه قبل أن تموت، أيرجع الورثة على الزوج بشيء؟ قال: لا أرى ذلك لهم قد انقطع الأمر بينهم يوم وقع الصلح، فكأنه عندما حكم واقع مضى بأمر جائز؛ لأن الذي أخذ الزوج، لو هلك لم يرجع على الورثة من قيمته بشيء.
قلت له: أرأيت إن أعطته دارا أو أرضا؟ فقال الورثة: لا نجيز؛ لأن مثل هذا إنما كنا أجمعين نقتسمه بالسهام، فإذا خصته به فنحن نخرج له القيمة، ونأخذه. فقال ليس ذلك لهم؛ لأنه قد ضمنه ومصالحته إياها بالذي أعطته كبيع من البيوع.
قال محمد بن رشد: اختلف في خلع المريضة على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك جائز على ورثتها إذا خالعت بخلع مثلها. روى ذلك ابن وهب عن مالك، فعلى هذه الرواية غلب الخلع على حق الورثة وجعله كبيعها وشرائها، يجوز إذا لم يكن فيه محاباة بأن تخالع بأكثر من خلع مثلها.
والثاني: إن ذلك لا يجوز من غير تفصيل، وهو ظاهر قول مالك في المدونة وكتاب ابن المواز. ووجه هذا القول أن ما خالعت به في مرضها، أرادت أن يأخذه الزوج من رأس مالها، عاشت أو ماتت، وهو غير وارث، فوجب أن يبطل وإن كان أقل من ميراثه منها. والقول الثالث: أن ذلك يجوز إن كان قدر ميراثها منها فأقل، ولا يجوز إن كان أكثر من ميراثه منها، واختلف على هذا القول متى ينظر فيه، فقيل يوم الصلح، فإن كان مثل ميراثه منها أو أقل أخذه، وإن كان أكثر من ميراثه منها لم يكن له منه شيء إلا أن تصح من مرضها، ولا ميراث له منها على حال، وهو قول ابن القاسم هاهنا.
وظاهر قوله في المدونة، وقيل يوم الموت، وهو قول أصبغ في الواضحة وقول ابن نافع في المدونة، ويكون ما خالعت به على هذا القول موقوفا إن كان شيئا بعينه، لا تقضي فيه شيئا إلا أن تحتاج إليه فتنفقه، فإن صحت أخذه إن كان قائما، أو ثمنه إن مات باستنفاقها إياه؛ وإن تلف كانت مصيبته منه، وإن ماتت أخذه كله أو ما أدرك منه إن فات باستنفاق أو غيره إن كان قدر ميراثه منها فأدنى، وإن كان أكثر من ميراثه منها لم يكن له شيء منه، ولا ميراث له منها على حال، وإن كانت خالعت على شيء غير معين، وكانت غنية لم يوقف عليها شيء منه، ولا ميراث له منها على حال، وإن كانت خالعت على شيء غير معين، وكانت غنية لم يوقف على شيء من مالها، وكان لها أن تنفق منه كما ينفق المريض في مرضه، فإن صحت مضى ذلك عليها، وإن ماتت في مرضها نظر في ذلك على ما تقدم.
وقوله: إنها صالحته على أرض أو دار أو قيمة ذلك قدر ميراثه منها فأقل، إن ذلك جائز على الورثة، ولا كلام لهم فيه، دليل على ما حكى سحنون عن بعض أهل العلم، إنه لا يجوز للمريض أن يبيع من بعض ورثته أغبط ماله، وإن لم يحاب في الثمن، وبالله التوفيق.

.مسألة الصبية التي يوطأ مثلها يبني- بها زوجها فتصالحه على مال:

وسئل عن الصبية التي يوطأ مثلها يبني بها زوجها فتصالحه على مال تدفعه إليه، ولم تبلغ المحيض، أيجوز ذلك الصلح بينهما؟ فقال: نعم، أراه جائزا تقع به الفرقة بينهما ويكون للزوج ما أعطته إذا كان ما أعطته يصالح به مثلها.
قال محمد بن رشد: وقع في المدنية لمالك من رواية ابن نافع عنه مثل رواية يحيى هذه، وزاد وإن كان أعطت أمرا يستنكر، ليس مثله يخالع به مثلها، رد عليها جميع ما أعطته وثبت عليه الطلاق.
قال أبو بكر بن محمد: المعروف من قول أصحابنا: إن المال مردود، والخلع ماض، وقاله ابن الماجشون في الواضحة: ولا اختلاف إن كانت ما خلعت به خلع مثلها، هل يرد المال؟ لما في رده من الحظ لليتيمة مع نفوذ الطلاق على الزوج، أو لا يرد؛ لأنه وقع على وجه نظر، لو دعا الوصي إليه ابتداء لفعله، وعلى هذا يختلفون في الصبي، يبيع أو يبتاع، أو يفعل ما يشبه البيع والشراء، مما يخرج على عوض، ولا يقصد فيه إلى فعل معروف، وذلك سداد ونظر من فعله يوم فعله فلا ينظر فيه الأب أو الوصي حتى يكون غير سداد، بنماء أو حوالة سوق بزيادة فيما باعه، أو حوالة سوق بنقصان فيما ابتاعه، فقيل: إنه ليس له أن ينقصه؛ لأنه إنما ينظر في فعله يوم وقع، وعلى هذا تأتي رواية يحيى هذه، وما ذكرناه من رواية ابن نافع عن مالك في المدونة وما وقع لأصبغ في الخمسة، وقيل له: أن ينقصه لأنه إنما ينظر في فعله يوم ينظر فيه، وعلى هذا يأتي قول من قال في هذه المسألة: إن الخلع ماض والمال مردود، وهو المشهور في المذهب. ويقوم ذلك أيضا من قول أصبغ في نوازله من كتاب المديان والتفليس، وهو الذي يأتي على ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة في أن ما اشترى الوصي من مال اليتيم، يعاد في السوق؛ لأنه قال: إنه يعاد، ولم يقل: إنه ينظر إليه يوم ابتاعه إن كانت قيمته يوم النظر فيه أكثر، وإذا قاله فيما اشترى الوصي من مال اليتيم، فأحرى أن يقوله فيما باعه اليتيم، وبالله التوفيق.

.مسألة اليتيمة البالغ إذا كرهت زوجها فافتدت منه وهي بكر لم يبن بها:

قيل لسحنون: ما تقول في اليتيمة البالغ إذا كرهت زوجها فافتدت منه وهي بكر لم يبن بها؟ هل ترى ما أخذ منها الزوج هل يسوغ له وما تركت له محطوطا عنه؟ وكيف إن قامت بعد ذلك تطلبه فيما أخذ منها وما تركت له؟ قال سحنون: وأرى ذلك جائزا عليها، ولازما لها، ولا رجوع لها في شيء مما أعطته أو وضعت عنه.
قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب سحنون إن البكر التي لم يول عليها بأب أو وصي، أفعالها جائزة، إذا بلغت المحيض، وهو قول غير ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني من المدونة، ورواية زياد عن مالك، وقد قيل: إن أفعالها مردودة ما لم تعنس أو تتزوج، ويدخل بها زوجها، وتقيم معه مدة يحمل أمرها فيها على الرشد قبل العام، وهو قول ابن الماجشون. وقيل: ثلاثة أعوام ونحوها. واختلف في حد تعنيسها على خمسة أقوال: أحدها: ثلاثين سنة، وهو قول ابن الماجشون، وقيل أقل من الثلاثين، وهو قول ابن نافع وقيل أربعون وهي رواية مطرف عن مالك وأصبغ وقيل من الخمسين إلى الستين.
وهي رواية سحنون عن ابن القاسم وقيل حتى تقعد عن المحيض وهو قول مالك في المدنية من رواية ابن القاسم عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال الرجل امرأتي طالق واحدة بائنة للتي قد دخل بها:

ومن كتاب الصلاة:
قال: وسمعت مالكا يقول: إذا قال الرجل: امرأتي طالق واحدة بائنة، للتي قد دخل بها، فهي ألبتة؛ لأنه لو قال هي بائنة، ولم يقل طالق واحدة بائنة، كانت البتة. قال: وإن قال هي طالق طلاق الخلع، كانت واحدة بائنة، وكذلك لو قال قد خلعت امرأتي أو باريتها، أو افتدت مني، لزمته طلقة واحدة بائنة، وكذلك يلزمه طلقة واحدة بائنة، إذا قال هي طالق طلاق الخلع. قال: فإن قال لامرأته: قد خيرتك، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، إن ذلك ليس بشيء؛ لأن المخيرة ليس لها أن تقضي إلا بفراق ألبتة، أو تقيم على غير طلاق، قال: وإن قال لامرأته: قد ملكتك أمرك، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، فإن أنكر عليها احلف ما ملكها إلا واحدة، وكان أحق بامرأته، إن أراد ارتجاعها، ويكون الذي قضت به من قولها طلقت نفسي واحدة بائنة، وواحدة غير بائنة، وإن لم ينكر عليها فهي ألبتة، وذلك أنه إذا قال لها: هو من قبل نفسه من غير أن يملك امرأته امرأتي طالق واحدة بائنة، كانت ألبتة في رأيي.
قال محمد بن رشد: قال في المخيرة إذا قالت: قد اخترت واحدة بائنة، إن ذلك ليس بشيء، وكان القياس أن يكون ثلاثا، كما يكون في التمليك ثلاثا، إلا أن يناكرها، وكما يكون ثلاثا، إذا قال هو لامرأته: ابتداء من غير تمليك ولا تخيير: أنت طالق واحدة بائنة، وكذلك في المدنية من رواية عيسى عن ابن القاسم: إن الرجل إذا ملك امرأته ألبتة، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة بائنة، إنها ثلاث وليس له أن يناكرها، وأنه إذا ملكها فطلقت واحدة بائنة فهي ثلاث، إلا أن يناكرها، ووجه رواية يحيى أنه إذا خيرها، فإنما جعل لها أن تختار ثلاثا أو تترك، فإذا قالت: قد اخترت واحدة بائنة، كانت بقولها واحدة، قد تركت ما جعل إليها، واتهمت في قولها بائنة، إنها نادمة، ولم يصدق فيها، وواحدة هي من ألفاظ المملكة، فإذا وصفت ببائنة، قيل لها: هي ثلاث، إلا أن يناكرها، وأما قوله في الذي قال لامرأته: أنت طالق طلاق الخلع، أو قد خالعتك، أو باريتك، إنها طلقة بائنة، فقد مضى ذلك وما فيه من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة سألت زوجها النفقة وقالت لا أضع ذلك عنك إلا أن تجعل أمري بيدي:

ومن كتاب المكاتب:
وسألته عن امرأة سألت زوجها النفقة عند خروجه إلى سفره، وقالت: لا أضع ذلك عنك إلا أن تجعل أمري بيدي، إن أقمت أكثر من سنة، فقال: بل أجعل أمرك بيد فلان، إن أقمت عنك أكثر من سنة، فأجابت وفعل الرجل.
فلما أقام أكثر من سنة، أراد الرجل أن يطلق عليه، وكرهت المرأة فقال: قال مالك: يجبر على اتباع قول المرأة؛ لأن ذلك إنما جعل بيده وثيقة لها.
قلت له: فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يطلق عليه، قال: أرى الطلاق قد وقع على الرجل الذي جعل ذلك بيده، إلا أن يكون السلطان قد تقدم إليه ونهاه، وأعلمه أنه لا يجيز طلاقه، فإن تعدى أمر السلطان، لم يضر ذلك للذي جعل التمليك بيد هذا المتعدي.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في أول سماع عيسى من هذا الكتاب، ومضى القول عليه مستوفى في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح، فمن أحب الوقوف عليه تأمله هناك.